ماذا لو فرضت القوانين الجزائرية مرور كل الصفقات العقارية عبر وكلاء عقاريين معتمدين ؟

في سياق التطورات الاقتصادية والتشريعية في الجزائر، خاصة مع إصدار قانون المالية 2025 الذي يحظر المعاملات النقدية لبيع العقارات ويفرض استخدام القنوات البنكية، يثير سيناريو افتراضي نقاشًا حيويًا: ماذا لو أصبح من الإلزامي قانونًا التعامل مع وكيل عقاري معتمد في جميع المعاملات العقارية عند توثيقها؟ هذا السيناريو، الذي يندرج ضمن جهود تنظيم سوق عقاري يعاني من فوضى الوسطاء غير القانونيين والمعاملات المشبوهة، قد يغير هذا القطاع بشكل جذري. في هذا المقال، نستعرض التبعات المحتملة على السوق العقاري، السماسرة غير المعتمدين، الاقتصاد الوطني، مع التركيز بشكل خاص على الوكلاء العقاريين المعتمدين، مستندين إلى الواقع الحالي وتجارب مماثلة.
تأثير على السوق العقاري: تنظيم أم زيادة في التكاليف؟
يعاني السوق العقاري الجزائري حاليًا من عدم استقرار ملحوظ، حيث يهيمن الوسطاء غير الرسميين على جزء كبير من المعاملات، مما يؤدي إلى عمليات غير شفافة ومخاطر قانونية عالية. إذا تم فرض إلزامية التعامل مع وكلاء معتمدين، فسيؤدي ذلك إلى تعزيز تنظيم السوق، مما يضمن الالتزام بالقوانين، مثل تسجيل العقارات ودفع الضرائب، بما يتماشى مع تدابير قانون المالية 2025. هذا التنظيم قد يقلل من الاحتيال والمعاملات العرفية غير القانونية، مثل بيع العقارات غير المسجلة أو من خلال عقود التزام بالدين، وهي ممارسات ينصح بها الخبراء القانونيون بتجنبها.
ومع ذلك، قد تؤدي هذه الإجراءات إلى زيادة تكاليف المعاملات بسبب عمولات الوكلاء، التي تتراوح حاليًا بين 1% و3% من قيمة المعاملة، مما سيثقل كاهل المشترين والبائعين. تظهر دراسات السوق العقاري الجزائري أن التنظيم قد يساهم في استقرار الأسعار على المدى الطويل، لكنه قد يؤدي إلى تباطؤ النشاط التجاري في البداية، خاصة في سياق التباطؤ المرتبط بالإصلاحات المالية. علاوة على ذلك، قد يعجل التعامل مع الوكلاء بالتحول الرقمي، من خلال تشجيع استخدام المنصات الإلكترونية للإعلانات بدلاً من الممارسات غير القانونية للتسويق عبر الإنترنت.
السماسرة غير المعتمدين: نهاية عصر أم الانتقال إلى الخفاء؟
يشكل السماسرة غير القانونيين، أو “الوسطاء الموازين”، تحديًا كبيرًا في الجزائر، حيث يسيطرون على المعاملات غير الرسمية، متجنبين الضرائب ومسهلين غسيل الأموال. غالبًا ما يكون هؤلاء السماسرة أفرادًا غير متخصصين، مثل التجار أو الموظفين، يستغلون الثغرات القانونية لإتمام معاملات سريعة دون رقابة. إلزامية التعامل مع وكلاء معتمدين ستكون بمثابة ضربة قاصمة لهذه الممارسات، حيث ستتطلب كل معاملة توثيقًا من قبل مهني رسمي، مما سيقلل من البناءات غير القانونية والتلاعب بالأراضي.
ومع ذلك، قد يدفع هذا البعض إلى اللجوء إلى أنشطة أكثر سرية، مثل البيع عبر عقود عرفية غير قانونية، مما قد يعزز السوق السوداء مؤقتًا. ومع ذلك، كما أظهرت التدابير الحكومية الأخيرة ضد السوق غير الرسمي، فإن مثل هذا القانون سيعزز الحماية القانونية للمستهلكين ويقلل من المخاطر، خاصة عند شراء عقارات غير مسجلة.
تأثير على الاقتصاد الوطني: نمو مستدام أم تحديات مؤقتة؟
على الصعيد الاقتصادي، سيساهم هذا القانون في مكافحة الاقتصاد غير الرسمي، الذي يمثل جزءًا كبيرًا من التدفقات النقدية في العقارات، بما يتماشى مع أهداف قانون المالية 2025 لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. بتنظيم السوق، ستزداد الإيرادات الضريبية من خلال تسجيل دقيق للمعاملات، مما يدعم الميزانية الوطنية ويعزز جاذبية الاستثمارات الأجنبية، كما أشارت تقارير الاستثمار لعام 2024. علاوة على ذلك، سيصبح القطاع العقاري محركًا للنمو، مع زيادة الثقة في السوق وتشجيع الاستثمارات في البنية التحتية، خاصة في إطار الجهود لجذب المستثمرين الأجانب عبر قوانين جديدة.
ومع ذلك، قد تواجه الاقتصاد تحديات مؤقتة، مثل تباطؤ المعاملات بسبب زيادة البيروقراطية، مما يؤثر على النمو على المدى القصير، كما حدث مع الإصلاحات الاقتصادية السابقة التي كان لها آثار إيجابية على المدى الطويل ولكنها أبطأت القطاع مؤقتًا. على المدى البعيد، قد يعزز ذلك اقتصادًا أكثر استدامة، مع التركيز على التحول الرقمي للحد من نهب الممتلكات العامة.
الوكلاء العقاريون المعتمدون: فرص ذهبية أم ضغوط متزايدة؟
سيكون الوكلاء العقاريون المعتمدون المستفيدين الرئيسيين من هذا السيناريو. حاليًا، يعانون من المنافسة غير العادلة من السماسرة غير الرسميين، مما يهدد وكالاتهم بالإفلاس، كما أبرزت دراسات سابقة. إلزامية التعامل معهم ستزيد الطلب على خدماتهم، مما يعزز دخلهم من خلال عمولات أعلى، خاصة مع المراجعة المقترحة لمعايير الأجور. كما ستحسن هذه الإجراءات صورتهم كمرجع أساسي للعملاء، من خلال تقديم خدمات متخصصة مثل تقييم الأسعار والوقاية من المخاطر القانونية.
ومع ذلك، قد يواجهون ضغوطًا، مثل المنافسة المتزايدة بينهم أو الحاجة إلى تدريبات إضافية للتكيف مع التحول الرقمي والقوانين الجديدة، مثل تلك التي تنظمها الوكالة الوطنية للوكالات العقارية. على الرغم من ذلك، تمثل هذه الإجراءات خطوة نحو مهنية أكبر، تحمي المستهلكين وتضمن تنظيمًا شاملًا للسوق.
إذا تم تبني مثل هذا القانون، فسيكون خطوة جريئة نحو سوق عقاري أكثر شفافية واستدامة، لكنه سيتطلب دعمًا حكوميًا لتجنب الآثار السلبية على المدى القصير. الجزائر، التي تسعى لجذب الاستثمارات، قد تجد في هذا التنظيم مفتاحًا لنمو اقتصادي متوازن، شريطة تنفيذه بحكمة.
اترك تعليق