لماذا 60% من المعاملات العقارية في الجزائر غير معلنة؟

تشير التقارير إلى أن حوالي 60% من معاملات بيع وشراء العقارات في الجزائر، خاصة الشقق والفيلات، تتم بعيدًا عن السلطات والوكالات العقارية. هذه الظاهرة، المعروفة باسم السوق العقاري غير الرسمي، تشكل تحديًا كبيرًا للاقتصاد الجزائري وتثير تساؤلات حول أسبابها. في هذا المقال، نستعرض الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة في عام 2025.
الأسباب الرئيسية لعدم الإعلان عن المعاملات العقارية
- التهرب الضريبي أحد الأسباب الرئيسية لعدم الإعلان عن المعاملات العقارية هو الرغبة في التهرب من الضرائب الباهظة التي تفرضها الدولة. وفقًا للنظام الضريبي الجزائري، تخضع المعاملات العقارية، مثل بيع العقارات المبنية أو غير المبنية، لضرائب مثل الضريبة على الدخل الإجمالي (IRG) أو الحقوق العقارية، والتي يمكن أن تصل إلى 3% للعقارات المبنية بالكامل و7% للعقارات الثانوية الشاغرة ذات الاستخدام السكني. هذه الضرائب، إلى جانب رسوم التسجيل والتوثيق، تدفع الأطراف إلى إتمام المعاملات بشكل غير رسمي، إما من خلال الإعلان عن أسعار أقل من القيمة الحقيقية للعقار لتقليل الضرائب المستحقة، أو من خلال إجراء المعاملات نقدًا دون تسجيلها رسميًا لدى الجهات المختصة.
- غسيل الأموال يُستخدم السوق العقاري غير الرسمي أحيانًا كوسيلة لغسيل الأموال، حيث يتم شراء العقارات بأموال غير مشروعة أو غير معلنة. تُفضل العقارات في هذا السياق لأنها تمثل أصولًا ذات قيمة عالية يمكن تحويلها إلى استثمارات “نظيفة” دون الحاجة إلى تسجيل رسمي. يساهم ضعف الرقابة الصارمة على هذه المعاملات في تسهيل إخفاء مصدر الأموال، مما يعزز استمرار هذه الظاهرة.
- البيروقراطية وتعقيد الإجراءات تدفع الإجراءات الإدارية المعقدة في الجزائر، مثل ضرورة توثيق العقود لدى كاتب عدل، دفع الرسوم، وتقديم وثائق متعددة، العديد من الأفراد إلى تجنب التسجيل الرسمي. على سبيل المثال، يتطلب تسجيل عقار تحديد قيمته الإيجارية أو التجارية بناءً على المرجعية الخاصة بالأسعار العقارية التي وضعتها المديرية العامة للضرائب، وهو ما يتطلب وقتًا وجهدًا. هذا التعقيد يشجع الأفراد على إتمام المعاملات بشكل غير رسمي، خاصة في المناطق الريفية أو بين أطراف تثق ببعضها.
- نقص الثقة في النظام القانوني يؤدي نقص الثقة في النظام القانوني والمؤسسات العامة إلى تفضيل بعض الأفراد للمعاملات غير المعلنة. يخشى البعض العواقب القانونية أو المالية الناتجة عن تسجيل المعاملات، خاصة إذا كانت العقارات التي يمتلكونها تفتقر إلى وثائق ملكية واضحة. تاريخيًا، ورثت الجزائر مشاكل عقارية معقدة من الفترة الاستعمارية، خاصة الأراضي بدون وثائق ملكية، مما يجعل عملية التسجيل صعبة ومحفوفة بالمخاطر.
- العادات والتقاليد الاجتماعية في بعض المناطق، خاصة الريفية، تُجرى المعاملات العقارية بناءً على الثقة المتبادلة بين الأطراف دون الحاجة إلى توثيق رسمي. هذه الممارسات متجذرة في التقاليد الاجتماعية، حيث يعتمد الأفراد على العقود الشفوية أو الاتفاقيات غير المكتوبة، خاصة في حالات البيع بين الأقارب أو الأصدقاء. على سبيل المثال، بعض معاملات القروض بين أفراد العائلة من الدرجة الأولى معفاة من الضرائب، مما يشجع على إتمامها دون تسجيل.
- نقص الوعي القانوني يعاني العديد من الأفراد في الجزائر من نقص المعرفة الكافية بالتشريعات العقارية والضريبية. على الرغم من توفر المرجعية الخاصة بالأسعار العقارية وأدوات محاكاة لحساب الضرائب على موقع المديرية العامة للضرائب، إلا أن الكثيرين لا يعرفون كيفية الوصول إليها أو استخدامها. يؤدي هذا النقص في الوعي إلى تفضيل المعاملات غير المعلنة كحل أبسط وأسرع.
الآثار على الاقتصاد الجزائري
تؤدي المعاملات العقارية غير المعلنة إلى عدة تأثيرات سلبية، منها:
- فقدان الإيرادات الضريبية: يقلل التهرب الضريبي من إيرادات الدولة، مما يفاقم عجز الميزانية، الذي بلغ 22% من الناتج المحلي الإجمالي في مشروع قانون المالية لعام 2025.
- تشوهات في السوق العقاري: غياب الشفافية في الأسعار يؤدي إلى تقلبات غير صحية في السوق العقاري، مما يصعب على المستثمرين والمشترين اتخاذ قرارات مدروسة.
- زيادة النزاعات القانونية: يؤدي غياب التسجيل الرسمي إلى نزاعات حول الملكية، خاصة بسبب وجود أراضٍ بدون وثائق ملكية واضحة.
الحلول المقترحة
للحد من ظاهرة المعاملات العقارية غير المعلنة، يمكن للجزائر اتخاذ الإجراءات التالية:
- تبسيط الإجراءات الإدارية: تقليل التعقيدات البيروقراطية وتسهيل عملية تسجيل العقارات.
- خفض الضرائب: إعادة النظر في معدلات الضرائب على العقارات لجعل التسجيل الرسمي أكثر جاذبية.
- تعزيز الرقابة: زيادة المراقبة على السوق العقاري للحد من غسيل الأموال والتهرب الضريبي.
- التوعية القانونية: إطلاق حملات توعية حول أهمية تسجيل المعاملات والالتزام بالتشريعات.
- تحديث السجل العقاري: استكمال جرد الأراضي العامة وإنشاء سجل عقاري شامل لتسهيل تتبع العقارات.
ظاهرة المعاملات العقارية غير المعلنة في الجزائر، التي تمثل حوالي 60% من إجمالي المعاملات، تنبع من مزيج من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والإدارية. على الرغم من أن هذه الممارسات قد تقدم حلولًا قصيرة الأجل للأفراد، إلا أنها تؤدي إلى تحديات كبيرة على المستوى الوطني. من خلال تبسيط الإجراءات، خفض الضرائب، وتعزيز الشفافية، يمكن للجزائر التخفيف من هذه الظاهرة وتعزيز استقرار السوق العقاري، مما يساهم في بناء اقتصاد أكثر استدامة.
اترك تعليق